تعاون بحثي يعيد إحياء قارب ماجان ليُسلّط الضوء على التراث البحري الغني لدولة الإمارات العربية المتحدة

20/12/2024 السياحة في دولة الإمارات | جامعة زايد

 186     0

أظهرت آخر إنجازات مركز أبحاث متحف زايد الوطني عن نجاح نموذج قارب من العصر البرونزي يصل طوله إلى 18 متراً في الإبحار قبالة سواحل أبوظبي. وتم تنفيذ هذا المشروع بالتعاون مع جامعة زايد وجامعة نيويورك أبوظبي بهدف تسليط الضوء على التراث البحري الغني لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتجارة العصر البرونزي. بني القارب الذي كان يطلق عليه في العصور القديمة "قارب ماجان" من مواد خام وضعت على لوح صلصال قديم باستخدام تقنيات قديمة يعود تاريخها إلى 2100 قبل الميلاد. وقد استطاع القارب اجتياز مجموعة من الاختبارات الصارمة، مما مكنه من قطع مسافة 50 ميلاً بحرياً (92.6 كيلومتراً) في مياه الخليج العربي. تولى قيادة القارب مجموعة من البحارة الإماراتيون مع فريق من صناع القوارب في المنطقة بمرافقة دوريات من خفر السواحل الإماراتي، وعلى مدار خمسة أيام مر القارب بالعديد من التجارب البحرية، ووصلت سرعته إلى 5.6 عقدة باستخدام شراع مصنوع من شعر الماعز. وقال معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي: " يشكل تقدير التاريخ البحري للخليج العربي مفتاحاً مهماً يمكننا من فهم دور أبوظبي وتقدير أهميتها في العالم القديم. لا سيما وأن المشروع الذي يقوده متحف زايد الوطني يجمع متخصصين في العديد من التخصصات العلمية للعمل معاً من أجل رفع مستوى فهمنا للابتكارات الإماراتية التي نعتز بها. يمثل إطلاق قارب ماجان المثير للإعجاب، آلاف السنين من الريادة والاستكشاف الإماراتي، بدءاً من بناة وصناع السفن القدامى وحتى علماء الآثار التجريبيين الحاليين". ويمثل هذا القارب أكبر عملية إعادة بناء من نوعها على الإطلاق، بما يُسهم في تعميق فهمنا لأنماط العيش في مجتمعات العصر البرونزي، كما يكشف عن أسرار الحرف اليدوية التقليدية التي ساعدت في إنشاء روابط بين دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم. وتبين النصوص القديمة أن هذه القوارب كانت تسمى "قوارب ماجان"، وهو الاسم القديم لدولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، ويشير استخدام هذا المصطلح إلى دور دولة الإمارات في التجارة البحرية منذ أكثر من 4000 عام، حيث أتاحت القوارب التي تمتاز بضخامة حجمها وقوتها للأشخاص الذين يعيشون في دولة الإمارات إمكانية التجارة مع المجتمعات البعيدة مثل بلاد الرافدين (العراق حاليًا) وجنوب آسيا. تولى تصميم القارب فريق يضم أكثر من 20 متخصصًا من بينهم مهندسين وعلماء آثار يسعون إلى معرفة واستكشاف الماضي من خلال تجربة التكنولوجيا القديمة باستخدام تقنيات تقليدية. وقد اعتمد شكل القارب على الرسوم التوضيحية القديمة للقوارب، وتم إعادة بناءه على أساس سعة "120 غور" أي ما يعادل 36 طنًا، فيما تولى المهندس البحري تحديد طول وعرض القارب وعمقه عبر استخدام التحليل الهيدروستاتيكي وذلك بهدف توفير الأبعاد التي تمكنه من الطفو بمجرد إضافة الوزن المقدر للبضائع والقارب وطواقمه. تطلب رفع الشراع وتجهيزه فريق يضم أكثر من 20 فرداً، وذلك لأن البكرات لم تكن موجودة في العصر البرونزي. وعمل صانعو السفن المتخصصون في النسخ التاريخية بشكل وثيق مع مجموعة الباحثين لإنجاز بناء القارب باستخدام مواد خام وأدوات يدوية تقليدية، حيث تطلب صنع هيكله الخارجي 15 طنًا من القصب محلي المصدر، بعد نقعه وتجريده من أوراقه وسحقه وربطه في حزم طويلة باستخدام حبال مصنوعة من ألياف النخيل. ليتم ربط حزم القصب بهيكل داخلي من الإطارات الخشبية وتغليفها بمادة "القار" التي كان صناع السفن القدماء في المنطقة يستخدمونها لتمكين القوارب من مقاومة المياه، وقد اكتشف علماء الآثار مؤخراً في جزيرة أم النار أنواعاً مماثلة من مادة "القار" تتطابق مع مصادر من بلاد الرافدين. ويعتبر مشروع "قارب ماجان" مبادرة أثرية تجريبية أطلقها متحف زايد الوطني عام 2021 بالشراكة مع جامعة زايد وجامعة نيويورك أبوظبي، بهدف استكشاف وفهم أنماط معيشة سكان المنطقة منذ أكثر من 4000 عام، إلى جانب المحافظة على التراث البحري للإمارات العربية المتحدة والصناعات التقليدية وتعزيز شعور الفخر بالهوية الوطنية. ولإنجاز المشروع اجتمع متخصصون في علم الآثار والأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية الرقمية والهندسة والعلوم، لتصميم وبناء القارب، حيث تم إجراء مئات التجارب خلال عملية بناء القارب بهدف اختبار قوة حزم القصب ومقاومة خليط "القار" للمياه. كما شارك أيضاً مجموعة من طلبة الجامعات المتعاونة في المشروع ما أتاح لهم فرصة تطوير مهاراتهم في البحث والتعمق في التراث البحري الغني للمنطقة من خلال تطبيق المعرفة المكتسبة في الدراسة النظرية على الإبداع العملي الواقعي. من جانبه، قال د. بيتر ماجي، مدير متحف زايد الوطني: "هذا المشروع تحت إدارة متحف زايد الوطني، يجمع عددًا متنوعًا من المتخصصين الذين يعملون بتعاون وثيق لتعزيز فهمنا للابتكارات الإماراتية وتنمية الشعور العميق بالفخر الوطني. لقد كانت رحلة طويلة وملهمة بدءاً من اكتشاف أجزاء قديمة من قوارب العصر البرونزي في أم النار وحتى اللحظة المميزة التي تم فيها رفع شراع القارب المصنوع من شعر الماعز وانطلاقه ساحل أبوظبي سالكاً نفس الطريق الذي كانت تسلكه هذه السفن قبل 4000 عام باتجاه البحر المفتوح وساحل الهند". النوخذة الإماراتي مروان عبد الله المرزوقي، الذي ينحدر من عائلة تعود جذورها إلى أجيال معروفة باهتمامها بالتراث البحري لدولة الإمارات العربية المتحدة، كان أحد البحارة الذين قادوا قارب ماجان خلال تجاربه البحرية التي استمرت على مدار يومين. وقال: "كنا حذرين للغاية عندما سحبنا القارب لأول مرة من الرصيف، وذلك لإدراكنا بأنه مصنوع من القصب والحبال والخشب فقط، ولا يوجد فيه أي مسامير ولا براغي ولا معادن على الإطلاق، وهو ما زاد من خوفي بإصابة القارب بأي تلف، ولكن عندما بدأنا بالرحلة، أدركت أن القارب قويًا، وفوجئت كيف يتحرك بسلاسة في البحر رغم حمولته الثقيلة"، مضيفاً أن صناعة القارب تسلط الضوء على "تاريخ ماجان الذهبي"، الذي يشكل أساس دولتنا الحالية، وهو ما يجب أن نفتخر به سيتمكن الزوار من مشاهدة "قارب ماجان" عند افتتاح متحف زايد الوطني في جزيرة السعديات، حيث يحتفي متحف زايد الوطني بالتاريخ الغني لدولة الإمارات العربية المتحدة العريق وثقافتها بدءاً من الماضي القديم وحتى يومنا هذا. وباعتباره مؤسسة بحثية، يمثل المتحف قوة دافعة لتطوير وتعزيز وتنسيق البحوث الأثرية والتراثية في دولة الإمارات العربية المتحدة. ويُعد بناء القارب جزءًا من مبادرة أوسع تسعى إلى فهم دور أبوظبي في التجارة خلال العصر البرونزي، حيث كانت جزيرة أم النار، الواقعة قبالة سواحل مدينة أبوظبي، قديماً إحدى أكبر الموانئ القديمة في المنطقة. وتؤكد الاكتشافات الأخيرة لعلماء الآثار من دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي أنه كان لأم النار في العصر البرونزي أهمية دولية واسعة. فقد شملت الاكتشافات عدداً من المباني التي تحتوي على أحجار الطحن، والأحجار المصقولة، والفؤوس الحجرية، وخطافات الصيد النحاسية، والأقراص الحجرية الدائرية المثقوبة، التي تستخدم لإثقال شباك الصيد. فضلاً عن ذلك فقد تم العثور على العديد من الأواني الفخارية التي تم استيرادها من أماكن بعيدة مثل بلاد الرافدين وجنوب آسيا، مما يؤكد الدور المحوري للجزيرة في التجارة البعيدة.

تعليقاتكم

لا يوجد تعليقات حالياً.


(success)
Start chat button