عندما طوّرت إحدى الجامعات الأميركية الروبوت «إليت» الذي يستطيع بمهارة فائقة تشخيص الأمراض النفسية عند الإنسان بدون تدخّل بشري، قامت الجامعة بطرح الاختراع على الجمهور لاستقصاء آرائهم. وتراوحت الردود بين الانبهار والإعجاب بما وصلت إليه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وبين الغضب والرعب تجاه مستقبل بشري غامض، ستكون الكلمة العليا فيه للآلات، من دون أي بُعد قيمي أو أخلاقي. وتساءل بعض الناس عما سيكون مصير الملايين من العاملين إذا كان الروبوت يستطيع القيام بأكثر المهن تعقيداً وهي مهنة الطب النفسي.
كل رأي له وجاهته ومبرراته. فالتكنولوجيا المنفلتة من الضوابط تشكل خطراً حقيقياً، لكن الانكفاء عنها هو أبعد عن أن يكون علاجاً أو حلاً.
لو عدنا للتاريخ قليلاً إلى الثورة الصناعية، وتحديداً إلى مطلع القرن التاسع عشر سنجد أن هذا النوع من الهواجس هو الذي أسس لمفهوم المسؤولية المجتمعية للشركات (CSR). بدأت الحكاية عندما تزايدت المخاوف من الأثر الذي تتركه الطفرة الصناعية على صحة البشر وسلامة البيئة، وأخذت المجتمعات تضغط على المصانع والشركات لزيادة جرعة المسؤولية الاجتماعية في خططها واستراتيجياتها. واستغرق الأمر أكثر من 150 عاماً (وتحديداً حتى 1953) لكي يتبلور مفهوم عالمي للمسؤولية المجتمعية على يد الاقتصادي الأميركي هاوارد باوين الذي يوصف بأنه الأب المؤسس للمسؤولية المجتمعية التي نعرفها اليوم.
الغالبية العظمى من الشركات الآن تفاخر بمسؤوليتها الاجتماعية. لكن الدنيا تغيّرت، وإذا كانت المخاوف على الصحة العامة وسلامة المجتمع والبيئة هي التي أفضت إلى المسؤولية المجتمعية، فإن سلامتنا الرقمية تعدّ اليوم من أبرز التحديات الإنسانية.
وفي عام 2015 تنبّه خبراء الأمم المتحدة إلى أن التحول الشامل نحو الرقمنة يتطلب نوعاً جديداً من المسؤولية. وفي ثنايا دليل الأمم المتحدة لحماية المستهلكين ظهر لأول مرة اصطلاح المسؤولية الرقمية للشركات CDR بوصفه معياراً أخلاقياً وإنسانياً للشركات والمؤسسات.
من المبادئ التوجيهية لهذا الجيل الجديد من المسؤولية ضرورة قيام الشركات بحماية خصوصية العملاء، والتحلي بالشفافية في إجراءات التعامل مع بياناتهم الشخصية، ووضع الخطط لتعزيز الكفاءة الرقمية للموظفين والمتعاملين على السواء، والمساهمة في حماية الأمن السيبراني للمجتمعات والأفراد، وإضفاء البعد الأخلاقي والإنساني على أي استراتيجيات أو خطط تحول رقمي بحيث لا يكون الربح المادي هو الباعث الوحيد لتلك الاستراتيجيات.
نحن في الإمارات نطلّ عن قرب على مستقبل المدينة الذكية حيث يحتل التحول الرقمي أولوية قصوى، ويلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في الحياة. وعلى المؤسسات أن تبادر الآن وليس غداً إلى نفض الغبار عن استراتيجيات المسؤولية المجتمعية لديها، للتأكد من أنها تتعامل مع تحديات اليوم لا الأمس.
سعادة حمد عبيد المنصوري
مدير عام هيئة تنظيم الاتصالات
للمساعدة، برجاء التواصل مع:
مواضيع شائعة للبحث